سورة لقمان - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


قوله تعالى: {وأَسبغَ عليكم} أي: أَوسع َوأَكملَ {نَعَمَهُ} قرأ نافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: {نِعَمَهُ}، أرادوا جميع ما أنعم به. وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {نِعْمَةً} على التوحيد. قال الزجاج: هو ما أعطاهم من توحيده. وروى الضحاك عن ابن عباس، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! ما هذه النِّعمة الظاهرة والباطنة؟ فقال: «أمَّا ما ظهر: فالإِسلام، وما سوَّى اللّهُ مِنْ خَلْقِك، وما أَفضل عليك من الرِّزق. وأمَّا ما بطن: فستر مساوئ عملك، ولم يفضحك» وقال الضحاك: الباطنة: المعرفة، والظاهرة: حسن الصورة، وامتداد القامة، وتسوية الأعضاء.
قوله تعالى: {أَوَلَوْ كان الشَّيطان يَدْعُوهم} هو متروك الجواب، تقديره: أفتتَّبعونه؟


قوله تعالى: {ومن يُسْلِمْ وجهه} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وقتادة: {ومن يُسَلِّم} بفتح السين وتشديد اللام. وذكر المفسرون أن قوله: {ومن كَفَرَ فلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} منسوخ بآية السيف، ولا يصح، لأنه تسلية عن الحُزن، وذلك لا ينافي الأمر بالقتال. وما بعد هذا قد تقدم تفسير ألفاظه في مواضع [هود: 48، العنكبوت: 61، البقرة: 267] إِلى قوله: {ولو أنَّ ما في الأرض مِنْ شجرة أقلامٌ} وفي سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن أحبار اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ قول الله عز وجل: {وما أُوتيتم من العِلْم إِلاَّ قليلاً} [الاسراء: 85]، إِيَّانا يريد، أم قومك؟ فقال: «كُلاً»، فقالوا: ألستَ تتلو فيما جاءك أنَّا قد أوتينا التوراة فيها تِبيانُ كل شيء؟ فقال: «إِنَّها في عِلْم الله قليل»، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد ابن جبير عن ابن عباس.
والثاني: أن المشركين قالوا في القرآن: إِنَّما هو كلام يوشك أن يَنْفَد وينقطع، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة. ومعنى الآية: لو كانت شجر الأرض أقلاماً، وكان البحر ومعه سبعة أبحر مِداداً- وفي الكلام محذوف تقديره: فكُتب بهذه الأقلام وهذه البحور كلمات الله- لتكسَّرت الأقلامُ ونَفِذت البحور، ولم تَنْفَذ كلماتُ الله، أي: لم تنقطع.
فأما قوله: {والبَحْرُ} فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {والبَحْرُ} بالرفع، ونصبه أبو عمرو. وقال الزجاج: من قرأ: {والبَحْرَ} بالنصب، فهو عطف على ما؛ المعنى: ولو أن ما في الأرض، ولو أن البحر؛ والرفع حسن على معنى: والبحرُ هذه حالُه. قال اليزيدي: ومعنى {يَمُدُّهُ مِنْ بَعده}: يزيد فيه؛ يقال: مُدَّ قِدْرَكَ، أي: زِدْ في مائها، وكذلك قال ابن قتيبة: {يَمُدُّه} من المِداد، لا من الإِمداد، يقال: مَدَدْتُ دواتي بالمِداد، وأَمددتُه بالمال والرجال.


قوله تعالى: {ما خَلْقُكُم ولا بَعْثُكُم إِلا كنَفْس واحدة} سبب نزولها أن أُبيَّ بن خلف في آخرين من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الله خلقنا أطواراً: نطفة، علقة، مضغة، عظاماً، لحماً، ثم تزعم أنَّا نُبْعَث خَلْقاً جديداً جميعاً في ساعة واحدة؟! فنزلت هذه الآية ومعناها: ما خَلْقُكم أيُّها الناس جميعاً في القُدرة إِلا كخَلْق نفس واحدة، ولا بَعْثُكم جميعاً في القُدرة إِلا كبعث نفس واحدة، قاله مقاتل.
وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [آل عمران: 27، الرعد: 2، الحج: 62] إِلى قوله: {أَلَمْ تَرَ أنَّ الفُلْك تجري في البحر بنِعمة الله} قال ابن عباس: من نِعَمه جريان الفُلْك {لِيُرِيَكم من آياته} أي: لِيُرِيَكم من صنعته عجائبه في البحر، وابتغاء الرزق {إِنَّ في ذلك لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ} قال مقاتل: أي: لكل صبور على أمر الله {شكورٍ} في نِعَمه.
قوله تعالى: {وإِذا غَشِيَهم} يعني الكفار؛ وقال بعضهم: هو عامّ في الكفار والمسلمين {موجٌ كالظُّلل} قال ابن قتيبة: وهي جمع ظُلَّة، يراد أنَّ بعضه فوق بعض، فله سوادٌ من كثرته.
قوله تعالى: {دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ له الدِّين} وقد سبق شرح هذا [يونس: 22]؛ والمعنى أنهم لا يذكُرون أصنامهم في شدائدهم إِنما يذكُرون الله وحده، وجاء في الحديث أن عكرمة بن ابي جهل لمًّا هرب يوم الفتح من رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فقال أهل السفينة: أَخْلِصوا، فان آلهتكم لا تُغْني عنكم شيئاً هاهنا، فقال عكرمة: ما هذا الذي تقولون؟ فقالوا: هذا مكان لا ينفع فيه إِلاَّ اللّهُ، فقال: هذا إِله محمد الذي كان يدعونا إِليه، لَئن لم ينجني في البحر إِلاَّ الإِخلاص ما ينجيني في البَرِّ غيرُه، ارجعوا بن، فرجَع فأسلم.
قوله تعالى: {فمِنهم مُقْتَصِدٌ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: مؤمن، قاله الحسن.
والثاني: مقتصد في قوله، وهو كافر، قاله مجاهد. يعني أنه يعترف بأن الله وحده القادر على إِنجائه وإِن كان مُضْمِراً للشِّرك.
والثالث: أنه العادل في الوفاء بما عاهد اللّهَ عليه في البحر من التوحيد، قاله مقاتل.
فأما {الخَتَّار} فقال الحسن: هو الغدَّار. قال ابن قتيبة: الخَتْرُ: أقبح الغَدْر وأشدُّه.

1 | 2 | 3